وزيرة التعليم بإقليم دارفور: الحرب دمرّت المدارس… ونخوض معركة الإنقاذ بإرادة لا تنكسر
وزيرة التعليم بإقليم دارفور: الحرب دمرّت المدارس... ونخوض معركة الإنقاذ بإرادة لا تنكسر

وزيرة التعليم بإقليم دارفور: الحرب دمرّت المدارس… ونخوض معركة الإنقاذ بإرادة لا تنكسر
حوار: منازل نمر🖋️
في لحظة فارقة تمرّ بها دارفور، حيث تتراكم آثار الحرب على كل مناحي الحياة، وتتهاوى الخدمات واحدة تلو الأخرى، يأتي ملف التعليم كأحد أكثر الملفات إلحاحًا وحساسية. فبين مدارس مدمّرة، وأطفال مشرّدين، ومعلمين بلا أمل، أصبحت الحاجة إلى خطة إنقاذ شاملة أمرًا لا يحتمل التأجيل.
“منازل نمر” التقت الدكتورة توحيدة عبدالرحمن يوسف، وزيرة التعليم بإقليم دارفور، في حوار صريح لها منذ اندلاع الحرب، لتضع أمامنا الحقائق كما هي، دون تجميل، ولتتحدث عن الانهيار العميق الذي أصاب المنظومة التعليمية، وكذلك عن خارطة الطريق التي وضعتها الوزارة في محاولة لإنعاش ما تبقى من مستقبل الأجيال.
في هذا اللقاء، كشفت الوزيرة عن أرقام صادمة، ومعاناة المعلمين، وتفاصيل الجهود المبذولة لإعادة الروح إلى المؤسسات التعليمية. كما سلّطت الضوء على التحديات الأمنية واللوجستية، والبدائل المتاحة لضمان استمرار العملية التعليمية، حتى في ظلّ أوضاع الحرب والنزوح والدمار.
س: كيف أثرت الحرب الراهنة على استمرارية العملية التعليمية في إقليم دارفور؟
ج: الحرب في دارفور أثرت بشكل كارثي على العملية التعليمية، وحوّلت المدارس والجامعات من منارات للعلم إلى رماد أو ملاجئ للنازحين، لا توجد لدينا إحصائيات دقيقة، ولكن تقارير وكالة راينو الاخبارية، بتاريخ: 8/7/2025م، تحت عنوان: جيل بلا شهادات: التعليم في كردفان ودارفور بين ركام الحرب والإقصاء الممنهج، تفيد بأن الآثار على النحو التالي:
– 160 ألف طالب وطالبة في دارفور وكردفان حُرموا من الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية منذ 2022م.
– %98 من المدارس في بعض محليات دارفور أصبحت خارج الخدمة.
– أكثر من 350 مدرسة تضررت أو دُمرت كليًا أو جزئيًا بسبب الحرب.
– بعض المدارس تحولت إلى مستشفيات ميدانية أو ثكنات عسكرية.
– الجامعات فقدت معاملها وقاعاتها، وبعضها أُغلق تمامًا.
– آلاف المعلمين نزحوا أو تركوا المهنة بسبب انعدام الرواتب والدعم.
– الطلاب فقدوا الأمل، وتزايدت حالات الاكتئاب والانزلاق نحو التطرف أو العمل القسري.
– التعليم أصبح حلمًا بعيدًا، لا سيما في المناطق الريفية والنائية.
وهذا يعني: أن الحرب لم تقتل فقط الأرواح، بل قتلت أيضًا أحلام جيل كامل في دارفور، التعليم هناك لا يحتاج فقط إلى إعادة بناء، بل إلى اعتراف، إنصاف، ورؤية وطنية شاملة.
س: ما هو وضع المعلمين حاليًا؟
ج: وضع المعلمين في السودان في ظل الحرب بات مأساويًا ومقلقًا للغاية، حيث يواجهون تحديات معيشية ومهنية تهدد مستقبل التعليم في البلاد، أهمها:
– تأخر الرواتب وتعسر المعاشات جعل المعلمين يعيشون في فقر مدقع، مما دفع البعض للعمل في مهن هامشية أو الهجرة خارج البلاد.
– انهيار هيبة مهنة التعليم، حيث أصبح المعلم رمزًا للتهميش، ويتجرع الإذلال يوميًا دون دعم أو تقدير.
– تحول المدارس إلى مراكز إيواء أو ثكنات عسكرية، مما أدى إلى توقف الدراسة.
– نزوح آلاف المعلمين والطلاب.
– هجرة جماعية للمعلمين المؤهلين، وصعوبة عودتهم في ظل غياب الحوافز والدعم.
– غياب التدريب والتأهيل المستمر، مما أثر على جودة التعليم.
س: كيف تتعامل الوزارة مع أوضاع الطلاب النازحين؟
ج: الوزارة تعمل على تنسيق لاستيعاب الطلاب النازحين في مؤسسات تعليمية بديلة، خاصة في الولايات الآمنة بالتعاون مع الجهات ذات الصلة. نسعى جاهدين لتوفير فرص تعليمية للطلاب النازحين واللاجئين في المدن الآمنة أو في دول الجوار.
س: هل توجد مبادرات نفسية أو اجتماعية لدعم الطلاب المتأثرين بالحرب؟
ج: نعم، هناك مبادرات لدعم الطلاب المتأثرين بالحرب في مراكز الإيواء، ومعسكرات النزوح واللجوء، تشمل تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدتهم على تجاوز الصدمات النفسية والعودة إلى مساراتهم التعليمية، كذلك ظهرت مبادرات مجتمعية محلية لتحفيظ القرآن، وتعليم الأطفال في المنازل أو تحت الأشجار، لكنها تفتقر للاعتراف الرسمي والدعم.
س: ما هي التحديات التي تواجه التعليم؟
ج: التعليم في دارفور يواجه أزمة غير مسبوقة بسبب الحرب المستمرة منذ عام 2003م، والتي أثرت بشكل مباشر علي العملية التعليمة في جميع ولايات الإقليم. أهم التحديات تتمثل في الاتي:
– تدمير واسع للبنية التحتية: أكثر من 300 مدرسة دُمّرت جزئيًا أو كليًا بسبب الحرب أو تحولت إلى مراكز إيواء.
– إنقطاع العملية التعليمية: توقفت الدراسة في معظم المدارس والجامعات، مما أدى إلى حرمان الطلاب من مواصلة التعليم، وحرمان أكثر من 150 ألف طالب من الجلوس لامتحانات المراحل المختلفة منذ 2022م.
– نقص المعينات الدراسية: لا توجد معينات دراسية ولا بيئة تعليمية مناسبة للطلاب في كثير من المناطق، خاصة في معسكرات النازحين واللاجئين.
– عدم الالتزام بدفع مرتبات المعلمين
– هجرة الكوادر التعليمية مما أضعف القدرة على استئناف الدراسة.
هناك أيضا بعض التحديات النفسية والإجتماعية تشمل:
– الحرب تركت اثارًا نفسية على الطلاب والمعلمين، مما يتطلب دعمًا نفسيًا عاجلًا.
– غياب التعليم يهدد بانزلاق جيل كامل نحو الفقر والتطرف، ويُنظر إليه كقنبلة موقوتة في مستقبل الإقليم.
س: هل هناك خطط للطوارئ أو تعليم بديل؟
ج: نعم، في ظل النزاع المسلح والانهيار الجزئي للتعليم، ظهرت مبادرات التعليم البديل كأملٍ جديد لإنقاذ مستقبل آلاف الأطفال واليافعين المحرومين من الدراسة. تعتمد هذه المبادرات على التعليم المرن والمجتمعي، وتُنفَّذ من خلال مراكز غير رسمية، منصات إلكترونية، وجهود شعبية، كما يلي:
– مبادرة التعليم البديل (التعليم العام):
برنامج التعليم البديل في ولاية شمال دارفور الذي تدعمه اليونيسف يستهدف الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، بما فيهم ذوي الاحتياجات الخاصة والمتأثرين بالنزاع، فهناك عدد من المراكز تستوعب آلاف الطلاب/ الطالبات يتلقون تعليمهم بصورة منتظمة مجاناً.
– أطلقت حكومة إقليم دارفور مبادرة التعليم الذكي المجانية بالتعاون مع شركة كلاسيرا للتعليم الإلكتروني، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تستهدف المبادرة مئات الطلاب فب معسكرات النزوح ومناطق النزاع،
– في ولاية غرب دارفور، تكفلت منظمات بصيانة مدارس متضررة، وأطلقت مبادرات لاستئناف الدراسة للأطفال.
– في محلية طويلة بشمال دارفور، تم استئناف الدراسة للأطفال في بعض المدارس بجهود شعبية.
– بعض الأهالي واصلوا تعليم الأطفال في المنازل أو تحت الأشجار، رغم غياب الدعم الرسمي.
– أما في مجال التعليم العالي، ورغم الدمار الواسع الذي طال مؤسساته في دارفور، برزت عدة مبادرات من الجامعات بالولايات الآمنة باستيعاب الطلاب، خاصة الخريجين بجامعاتها لتمكينهم من إكمال دراستهم في الكليات التطبيقية، وإتاحة فرص التعليم الإلكتروني لباقي الفصول .
– كنا ولا زلنا نسعى لتوفير منح دراسية لطلاب وطالبات الاقليم المتأثرين بالحرب، وأكدنا أهمية التنسيق بين الجامعات لتبادل الخبرات وتوفير بيئة تعليمية مناسبة، كذلك أمنا على ضرورة الدعم النفسي للطلاب والأساتذة الذين تأثروا نفسيًا جراء النزاعات.
س: كيف يمكن للتعليم أن يسهم في ترسيخ قيم السلام؟
ج: التعليم هو حجر الأساس لبناء السلام المستدام في السودان بصفة عامة، وفي دارفور خاصة في ظل النزاعات الطويلة والانقسامات المجتمعية. يمكن أن يسهم التعليم في ترسيخ السلام عبر عدة منافذ أهمها:
– التعليم يرفع الوعي، وينبذ الجهل، ويحد من انتشار الأفكار المتطرفة، ويعزز التفكير النقدي.
– التعليم يعزز قيم التسامح والتعايش والحوار وقبول الآخر.
– المدارس المشتركة تخلق بيئة للتفاعل بين الأطفال من خلفيات مختلفة، مما قد يعزز التماسك المجتمعي.
– التعليم يفتح آفاقًا أوسع من الانتماء الضيق للقبيلة أو الجهة.
– توفر المدارس بيئة آمنة تحمي الأطفال من التجنيد والعنف والجريمة.
– التعليم يساهم في معالجة آثار الحرب النفسية على الأطفال.
– التعليم يفتح أبوابًا للوظائف، ويوفر فرص عمل للشباب، وتمكينهم إقتصاديا وإجتماعيا مما يقلل من دوافع الانخراط في النزاعات.
– المتعلمون يصبحون قادة مجتمعيين قادرين على نشر ثقافة السلام عبر مراكز الشباب.
– مناهج التعليم يمكن أن تضيف مناهج خاصة بالتربية الوطنية تدعم السلام، وتغرس في نفوس الطلاب حب الوطن وترابه.
– المناشط الطلابية مثل المسرح، الفن، والرياضة وهي من أدوات بناء السلام، وتساعد في معالجة آثار الصراعات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال توفير مساحات آمنة لسرد القصص، وإعادة بناء الروابط الاجتماعية، والاحتفال بالتراث الثقافي.
س: هل لدى الوزارة برامج لتعزيز ثقافة السلام؟
ج: نعم، لدينا تصور لبرنامج فعال لتعزيز ثقافة السلام في دارفور من خلال خطوات مدروسة تجمع بين التعليم، التفاعل المجتمعي، والدعم النفسي يهدف إلى:
نشر قيم التسامح، الحوار، والتعايش السلمي بين الطلاب.
– تمكين الشباب ليكونوا وكلاء تغيير وبناء سلام في مجتمعاتهم.
– معالجة آثار الحرب النفسية والاجتماعية عبر التعليم. وذلك عبر عدة برامج تشمل:
– مناهج داعمة للسلام تضمن مفاهيم حقوق الإنسان وحل النزاعات.
– ورش عمل في بناء السلام، وتمكين المرأة.
– تدريب المعلمين وإعدادهم لتقديم محتوى السلام بطريقة تفاعلية، بالاضافة لتدريبهم على الدعم النفسي والتعامل مع الطلاب المتأثرين بالنزاعات.
– إشراك المجتمع المحلي وذلك بدعوة أولياء الأمور والقيادات الأهلية للمشاركة في الأنشطة المختلفة، وتنظيم منتديات حوارية مجتمعية هادفة.
س: ما دور التعليم والبحث العلمي من إيجاد الحلول اللازمة للأزمة وفق معايير علمية وعملية تطبق وفق خطط مستقبليةالعلمي في فهم وتحليل جذور النزاع؟
ج: البحث العلمي يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في فهم وتحليل جذور النزاعات في دارفور، وذلك من خلال تقديم رؤى دقيقة وشاملة تساعد في تفكيك تعقيدات الصراع، وتحديد أسبابه الحقيقية، وذلك عن طريق جمع وتحليل البيانات الميدانية، والنتائج العلمية، وتقديم توصيات عملية تساهم في صياغة استراتيجيات لحل النزاع، وتدعم جهود السلام، من خلال آليات للتنسيق بين الأطراف المتنازعة وتعزيز الثقة المجتمعية، ومن أهم الأدوار التي يمكن أن يقوم به البحث العلمي تتلخص في:
– يوفر خلفية تاريخية دقيقة عن تطور النزاع منذ بداياته وحتى الآن.
– يساعد في تحليل الاتفاقيات السابقة وتقييم فعاليتها.
– يكشف عن الأسباب التي ساهمت في تأجيج الصراع، مثل التمييز والتهميش السياسي.
– يدرس العوامل البيئية مثل الجفاف وتراجع الموارد الطبيعية التي أدت إلى التنافس على الأرض والماء.
– يسلط الضوء على الدور السياسي للحركات المسلحة وتطور علاقاتها مع الفاعلين المحليين مثل الإدارات الأهلية والمجتمع المدني.
س: ما رسالتكم لأولياء الأمور؟
ج: السادة أولياء الأمور،،،،،
في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، نود أن نعبر لكم عن تقديرنا العميق لصبركم، ودعمكم المستمر،وتقديم الدعم النفسي والمعنوي اللازم لأبنائكم الطلاب الذين هم أمل المستقبل وركيزة التنمية في دارفور والسودان عامة،
ونتوجه إليكم بهذه الرسالة للتأكيد على ما يلي:
بالنسبة للامتحانات المؤجلة 2024م،
– عملت وزارة التعليم والبحث العلمي بالتنسيق مع حكومات الولايات والجهات الأخرى على تمكين الطلاب من الجلوس للامتحانات بسلام، رغم التحديات الأمنية واللوجستية، وقد تم تجهيز مراكز بديلة في ولايات نهر النيل والشمالية والنيل الأبيض، وقد وصل عدد مقدر من الطلاب إليها بالفعل وجلسوا للإمتحانات بفضل الله وعونه.
– كما يجري التنسيق مع الجهات المختلفة لعقد امتحانات بديلة للطلاب اللاجئين في شرق تشاد بإذن الله.
[ ] نحن في وزارة التعليم نؤمن تماماً أن التعليم هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والتنمية، وبناء مستقبل أفضل، وأن أبناء دارفور يستحقون فرصًا متكافئة في التحصيل العلمي، وإن دعمكم وصبركم وتكاتفكم مع الجهات التعليمية هو ما يعزز عزيمتنا لمواصلة العمل وتذليل العقبات أمام أبنائنا.
س: كيف ترون مستقبل التعليم في دارفور؟
ج: مستقبل التعليم في دارفور يواجه تحديات ضخمة، لكنه يحمل أيضًا بوادر أمل رغم الظروف القاسية. هذه الحرب اللعينة أدت إلى انهيار العملية التعليمية برمتها، إلا أن هناك جهودًا محلية ودولية تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. مستقبل التعليم في الإقليم يعتمد على إعادة بناء الثقة، توفير الدعم النفسي، وتكامل الجهود بين المجتمع المحلي والدولة والمنظمات الدولية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتهيئة المدارس، وتوفير المعينات الدراسية، والمعلم المدرب، حتي يعود التعليم لسابق عهده ونعود إلى مدارسنا وطابور الصباح، ونقرأ نشيد العلم،،،،،
نحن جند الله جند الوطن
ان دعا داعى الفداء لم نخن
نتحدى الموت عند المحن
نشترى المجد بأغلى ثمن
هذه الأرض لنا فليعش سوداننا علمآ بين الأمم
س: ما الذي تحتاجونه كوزارة اليوم؟
ج: وزارات التعليم في دارفور بصفة عامة تواجه تحديات ضخمة، لكن هناك رؤية واضحة لما تحتاجه للنهوض بالعملية التعليمية وسط الأزمات، هذه الاحتياجات ليست مجرد قائمة، بل تمثل خارطة طريق لإنقاذ مستقبل التعليم في دارفور،،، وتتمثل في:
أولًا: التعليم العام
– إعادة تأهيل البنية التحتية
– توفير الكتاب المدرسي والمناهج
– تدريب المعلمين وتأهيلهم
– توفير منح دراسية للطلاب المتأثرين بالحرب
– الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب والمعلمين
– تهيئة البيئة المدرسية الجاذبة
ثانيًا: التعليم الجامعي
الجامعات في دارفور تحتاج إلى دعم شامل لتجاوز آثار الحرب واستعادة دورها في التعليم والتنمية، فهي لا تحتاج فقط إلى ترميم المباني، بل إلى رؤية استراتيجية متكاملة تشمل البنية التحتية، الكوادر، التكنولوجيا، والمجتمع بناءً على أحدث المعلومات



