آراء ومقالات

الاستاذ مصطفى عليش يكتب : الضهر ماقروش؛؛؛ الضهر أهل

الضهر ما قروش… الضهر أهل

بقلم : مصطفى عليش

في زمن المال والجاه، ضاع المعنى الحقيقي للعائلة. بقت صلة الرحم مجرّد عادة موسمية، والزيارات واجب ثقيل بنأديه مجاملة، والتكافل بين الأهل بقى زي الأسطورة، نسمع بيها لكن ما بنعيشها. في بيوت كتيرة، الواحد فيها يستحي من قريبو الفقير، يخجل يعرّفو بي ضيفو ، يطأطئ راسو في المناسبات، ويحاول يختصر الونسة كأنو وجود الزول دا وصمة عار . ليه؟ لأنه ما “من مستواه”… مستوى صنعو المال ونفخو الغرور، وخلّى بعض الناس يفتكروا نفسهم طلعوا فوق الباقين. وأكتر الحالات دي، بتلقاها في عواصم الولايات والمدن الكبيرة، المدن المليانة خدمات وفرص ومظاهر، والفيها كل زول داير يثبت نفسو بأي طريقة، حتى لو كانت على حساب أهلو.

في كل بيت سوداني، في حكاية زي دي… زول وقف مشاويره لأهلو لأنه حس إنو كبِر فوقهم، وزول تاني اختفى من المشهد لأنو ما قدر يتحمّل نظرة الاستخفاف والامتعاض من أقرب الناس ليهو. لكن الوجع الحقيقي ما في الحرب ذاتها، الوجع في اكتشاف الحقيقة في وقت متأخر… إنك كنت بتقيّم الناس بلبسهم، وبعرباتهم، وبصورهم وبفتات المال العندهم . بقينا نقفل البيبان في وش الزول الجاي بقلبو، ونفتحها للزول الجاي بمحفظتو. بقينا نحتقر البسيط، ونبتعد عن المحتاج، ونخاف نُوصم بالقرب من الضعيف.

وجات الحرب… ما كانت عادلة، لكنها كانت صادقة. كسرت الواجهة، وكشفت العيون، وخلّت الحقيقة تطلّ بدون تزيين. رجّعت الغني لحضن الفقير، والمترف لبيت الطين والقش و مياه البرك والخيران ، والمهاجر لنقطة البداية، لناس كان شايفهم زمان “أقل منو”. في لحظة، الزول الواقف بلبس ماركة بقى داير بطانية مستعملة، وصاحب القصر بقى نزيل في بيت صغير يسأل الموية من زول كان يومًا ما ما بيرد على مكالمتو. والزول الاتقلّلت منو فتح بيتو ليك وسندك ، ما بالعتاب ولا بالمنّ، لكن بروح الأصل والرحم والشهامة وحق الانسانية .

الحرب ما بس خربت الخياة ، ولكن علمتنا . وقالت لينا بالعِظة الواضحة: “الضهر ما قروش… الضهر أهل”. الزمن بيقسّى، والقروش بتروح، والشهرة بتنطفي، لكن الحضن الحقيقي ما بنكسر. الأهل هم ظلك في الشمس، وعكازك في العتمة، وهم الصوت القريب لما تبكي بدون صوت. يا ناس، خلونا نراجع نفسنا. نوقف التفاخر الفارغ، ونلمّ شتاتنا، ونرجّع للونس نكهتو الأصلية. نرجّع صلة الرحم من القلب، مش من اللسان. نخلّي المناسبات تجمع، ما تفرّق. نرجّع السفرة البسيطة، والشاي في ضلّ الشجرة والحيطة ، واللمة البتمشي للروح عديييل، ما للعين.

الما عندو أهل… ما عندو ضهر. والقريب في المحنة، أغلى من مليار في البنك. وما في شي دايم… لا المال، لا السلطة، لا الجاه. الباقي؟ دعوة من زول ارتاح بيك، وذكرى طيبة في صدور الناس. فلا تتكبر، ولا تنسى أهلك، ولا تخلي الزمن يسرق إنسانيتك. لأنو في النهاية، لما يتكسر كل شي… ما حتلقى غير حضن من كنت شايفو أقل منك.

وكل زول قرأ الكلام ده، لو حسّيت إنك كنت في الطرف الغلط، أو الطرف المجروح، ما دايرينك تشيل الهم. ما دايرين الكلام ده يولد فيك عقدة او غبن، ولا يجلد ذاتك. خلّيه يكون ضوء… درس جديد نتشارك فيهو، نتعلم منو، ما نغلط تاني؟ لكن نكون واعين، ونوقف، ونصلّح. لسه في زمن، لسه في فرصة نغيّر، نرجع أرحامنا، نكون ناس كويسين، ناس قلبهم طيب ولسانهم لين وبيوتهم فاتحة. ما تعاتب نفسك كتير، بس اتحرّر من حواجزك، من عقد المقارنة، من وهم “البرستيج”، وكن إنسان جديد. الضهر ما قروش… الضهر أهل يسندوك وكت الشدة وما دام في نفس… في أمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى