بين الحرب والسلام :رؤية هشام التجاني لمستقبل السودان ✦*
بين الحرب والسلام :رؤية هشام التجاني

✦ *بين الحرب والسلام :رؤية هشام التجاني لمستقبل السودان ✦*
منازل نمر 🖋️
في ظل الأوضاع السياسية المعقدة التي يمر بها السودان، حيث تتقاطع التحديات الأمنية والسياسية مع تطلعات الشارع نحو الاستقرار والديمقراطية حيث تبرز الحاجة إلى أصوات وطنية عاقلة تقدم الرأي والتحليل وتسهم في صناعة الوعي العام.
ومن هذا المنطلق أجري موقع الموكب نيوز هذا الحوار الخاص مع الأستاذ هشام التحاني فضل سعد مقرر تنسيقية القوي الوطنية ورئيس القوي الشبابيه السودانية في محاولة للوقوف على رؤيته حول مآلات الأوضاع بالبلاد و تقييمه للمشهد السياسي الراهن، علاوة علي رؤيته للفترة القادمة خاصة فيما يتصل بإكمال هياكل السلطة الانتقالية وتفعيل المفوضيات، إلى جانب إستشراف مستقبل العمل السياسي في البلاد.
*الوضع السياسي الراهن :*
س: استاذ هشام التجاني فضل سعد كيف تقيمون الوضع السياسي في السودان حاليا؟
ج – الوضع السياسي الحالي نوعًا ما مستقر، لأن كل الوطنيين من القوى السياسية يصطفون خلف القوات المسلحة لإنهاء التمرد، وهو شيء يُعلي ولا يُعلى عليه. وغالبيتهم من الشباب الذين منعوا انهيار البلاد وتفككها، فلهم التحايا وهم يتوسدون الأرض في الخنادق ويلتحفون السماء.
س: برأيكم هل الظروف مهيأة لتوافق وطني يعيد الثقة في العملية السياسية؟
ج – نعم، الظروف مهيأة تمامًا لتوافق وطني، لأن الصف السياسي والمجتمعي ومنظمات المجتمع المدني، وحتى على المستويات الأسرية، تتفق تمامًا على دعم القوات المسلحة.
وللاستفادة من هذا الزخم لتقوية النسيج السياسي، لابد من وجود أجسام جديدة تكون هي النواة للمستقبل السياسي في السودان. فقد عرف السودانيون مرارة الحروب في كل أجزاء البلاد، ولن يقبلوا مطلقًا بأي تباينات على أي مستوى تقود إلى حرب مستقبلية.
*هياكل السلطة الانتقاليه والتشريعية :*
س: ما مدى أهمية استكمال المجلس التشريعي وبقية مؤسسات الحكم الانتقالي في هذه المرحلة؟
ج – واحدة من أخطاء ما بعد الثورة هي عدم إكمال هياكل السلطة الانتقالية، ممثلة في المحكمة الدستورية والمجلس التشريعي القومي، لأنه الجهاز الرقابي الشرعي الوحيد المنوط به مراقبة الأداء الحكومي. وبدونه تكون الحكومات إما حكومات أمر واقع أو حكومات طوارئ.
وأي حكومة، سواء كانت معينة بصلاحيات محدودة أو بصلاحيات واسعة، لابد لها من جهاز تشريعي يراقب ويحاسب الجهاز التنفيذي، ويكون هو صوت الشعب.
س: ما العوائق التي واجهت استكمال مؤسسات الحكم الانتقالي؟
ج – لم تكن هناك أي عوائق في فترة قوى الحرية والتغيير، إلا أن الاستفراد بالسلطة حينها أعمى بصائرهم. ولو اكتملت هياكل السلطة لتغير واقع الحال.
أما بعد حرب 15 أبريل، فأبرز العوائق كانت عدم معرفة أحجام القوى السياسية بالنسبة للدولة. وفي هذا الإطار ابتدرت تنسيقية القوى الوطنية بقيادة السيد مالك عقار مؤتمرها التأسيسي في نوفمبر 2024، وقدمت رؤية وطنية شاملة لطريقة الحكم وخارطة طريق للفترة الانتقالية. وهي حاليًا الجسم السياسي الوحيد الذي يضم أكثر من 150 كيانًا، من أحزاب سياسية وأجسام شبابية وكيانات نسوية ومنظمات مجتمع مدني ومقاومة شعبية على مستوى السودان، وله مكاتب فاعلة في 9 ولايات آمنة.
*المفوضيات و أدوارها المنتظرة :*
س: كيف تنظر إلى دور المفوضيات، خاصة مفوضية الانتخابات والعدالة الانتقالية ومكافحة الفساد؟
*ج* – للامانة، أهمية المفوضيات تكمن في إيجاد آلية تنفيذية مُتوافق عليها لتحقيق الغايات.
وفي تقديري الشخصي، ينبغي أن تقوم مفوضية بمسمى “مفوضية الأحزاب وإصلاح الحياة السياسية”، لتعمل على دمج الأحزاب وإيجاد خمسة أحزاب فقط في السودان: حزب يمين متطرف، حزب يمين معتدل، حزب وسط، حزب يسار معتدل، وحزب يسار متطرف. بذلك يقرر الناخب السوداني من بين أكثر من 170 حزبًا أي حزب يمثله فعليًا. ومع أول انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة عالميًا، سيعرف الداخل والخارج التوجه الحقيقي للمواطن السوداني سياسيًا. ثم تتقلص هذه الأحزاب الخمسة لتصبح ثلاثة فقط في الانتخابات القادمة.
أما مفوضية العدالة الانتقالية، فكان يمكن أن تلعب دورًا قبل حرب الكرامة. حاليًا كل الشعب يحتاج للعدالة الانتقالية، لأن حرب 15 أبريل كانت أشد قسوة من كل الحروب السابقة. وقدمت بقية المناطق التي كانت مركز ثرواتها في باطن الأرض لأجل بقاء السودان. لكن يبقى السؤال: كيف ستحقق العدالة الانتقالية لكل أبناء السودان بعد حرب الكرامة؟
لن تتحقق إلا بعد استئصال أي فكر جنجويدي يعمل على تسميم الحياة السياسية والاجتماعية مستقبلًا.
أما مفوضية مكافحة الفساد، فيجب أن تمر أثناء الحرب وبعدها بخمس مستويات، مع مراجعة ما تم سابقًا في لجنة إزالة التمكين، ومراجعة السنوات الست الماضية، واجتثاث أي فساد أو فاسدين. كما يجب أن تكون هناك قوانين رادعة وصارمة من المجلس التشريعي، تطبق أقسى عقوبات الفساد على أي مسؤول أو مواطن، لتحقيق العدالة الانتقالية بشكل أفضل في المستقبل.
س: ما الضمانات لاستقلالية هذه المفوضيات بعيدًا عن الاستقطاب السياسي؟
ج – تنبع استقلالية المفوضيات من تمسك الشعب بها، وأن يكون أفرادها بعيدين عن أي حزب سياسي، وطنيين همهم السودان فقط. وأتمنى أن يكونوا ممن حملوا البندقية دفاعًا عن السودان.
*القوي السياسية والشارع السوداني :*
س: هل تمثل الانقسامات بين القوى المدنية والتباعد بينها وبين الشارع التحدي الأكبر أمام العملية الانتقالية؟
ج – في اعتقادي، الشارع الآن بعد حرب 15 أبريل متوحد أكثر من أي وقت مضى، ومستوى الوعي أصبح في أعلى درجاته. وللعلم، نتيجة الفشل السياسي هي الحرب. والمواطن حاليًا ينتظر أن يرى رؤية وطنية من أجسام حتى ولو كانت غير حزبية، لأن الغالبية سترفض أي وجود للأجسام السياسية التقليدية في الفترة القادمة.
س: كيف يمكن استعادة الثقة المفقودة بين القوى السياسية والمواطنين؟
ج – استعادة الثقة ستكون فقط فيمن دعم القوات المسلحة ودعم بقاء الوطن. ونرفض وجود أي قوى سياسية ساهمت أو دعمت أو أيدت التمرد بأي شكل كان. لن يكون لها وجود مستقبلاً في الساحة السياسية، لأنها حررت شهادات وفاتها وجدانيًا وفقدت عناصرها ومؤيديها بوقوفها في وجه القوات المسلحة، التي هي إحدى ركائز الدولة: أرض، شعب، وجيش.
*العلاقة بين المدنيين والعسكريين :*
س: برأيكم ما هو الإطار الأمثل لعلاقة القوات المسلحة بالسلطة المدنية خلال المرحلة الانتقالية؟
ج – أعتقد أن علاقة المدنيين والعسكريين حاليًا في أوج قمتها وعلى درجة كبيرة من التفاهم والتناغم، لأن الهم وطن. والمرحلة الحالية تتطلب وجود القوات المسلحة في الساحة، فهي الضامن للقوى المدنية، وهذا ما أثبتته التجربة الراهنة.
لكن بعد انتهاء الحرب وانتهاء الفترة الانتقالية، يجب أن تتفرغ القوات المسلحة لدورها الأساسي المنوط بها حسب القانون، بعيدًا عن السياسة، بعد أن تكون قد أدت دورها كاملًا في حفظ الوطن، وحمت الانتقال السياسي الديمقراطي للسلطة.
س: كيف يمكن تفادي الصدامات السابقة وبناء شراكة متوازنة؟
ج- الصدامات السابقة جاءت نتيجة انحرافات وانسياق القوى السياسية لتنفيذ أجندة الوكلاء الإقليميين والعالميين. وكنا نرى سقوطها وتكسرها تحت الإرادة الوطنية، سواء بالوعي الشعبي أو بالبندقية. وكما نرى الآن، فإن نجاح السودان مرهون بقيام المجلس التشريعي القومي والولائي والمحلي.
*الاوضاع الاقتصادية وتأثيرها علي الانتقال :*
س: كيف تؤثر الأوضاع الاقتصادية والأزمات الإنسانية على مستقبل الانتقال السياسي؟
ج – قد يرسم البعض مستقبلًا قاتمًا للاقتصاد السوداني في ظل الحرب والتركة الثقيلة التي ستبقى بعدها. لكن للعلم، فإن انتصار قوات الشعب المسلحة وبسط سيطرتها على كامل البلاد وحراسة الحدود سيجعل كل مناطق السودان تدخل دائرة الإنتاج، سواء الزراعي أو التعديني، إلى أن تعود دورة الإنتاج الحيواني التي تضررت من الحرب.
ولا أبالغ إن قلت إنه في ظرف عام ونصف سيرتفع مستوى دخل الفرد والدولة معًا، لأننا موّلنا تكلفة الحرب من الموارد المعدنية، ولم تكن هناك فواتير آجلة تثقل كاهل الدولة والمواطن.
س: ما الأولويات التي يجب أن تضعها أي حكومة انتقالية لمعالجة هذه القضايا العاجلة؟
ج – إذا اتبعنا سياسات اقتصادية تقوم على إنشاء بورصة زراعية وصناعية لتحديد الأسعار، وأن تتم عمليات البيع عن طريق البورصة، مع قيام شركات مساهمة عامة يكون للدولة فيها النصيب الأكبر في عمليات الصادر، فإن الاقتصاد سينتعش. كما يجب على البنوك دعم قيام الصناعات التحويلية والمحلية، وأن تمنع وزارة التجارة استيراد أي سلعة تُصنع محليًا لحماية المنتج الداخلي.
*الانتخابات وشروط النزاهة :*
أ/ هل البيئة السياسية والأمنية الحالية صالحة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة؟
ج- لابد أولًا من القضاء على الفكر الجنجويدي تمامًا، لأنه أصبح فكرًا سياسيًا جديدًا، مثل الفاشية، وهو فكر سام وهدام وعنصري. لذلك فالبيئة ليست صالحة في الوقت الراهن، أو على الأقل لمدة عام بعد إعلان كامل أراضي السودان خالية من الدعم السريع المتمرد، واستتباب الأمن، وعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم.
ب/ ما الخطوات الضرورية لضمان انتخابات ذات مصداقية تعكس إرادة الشعب السوداني؟
ج – الشعب هو الضامن للانتخابات، لأنه لن يرتضي أن يعيش في دوامة الانقلابات والحكومات الانتقالية والائتلافية، ثم تسليم السلطة للجيش مرة أخرى.
ولابد من قيام مؤتمر الحكم الدستوري ليقرر كيفية سير الدولة: هل بنظام ولايات، أو أقاليم، أو نظام فيدرالي. فالشعب قد ملّ تكرار التجارب، وسيكون هو الضامن والمُؤتمن مستقبلًا على صناديق الانتخابات، حتى لو تُركت في قارعة الطرق.
*رساله للمواطن السوداني ودور الشباب :*
أ/ ما هي رسالتكم للمواطن السوداني الذي يترقب بقلق مستقبل بلاده؟
ج – المواطن هو خط الدفاع الأول عن المجتمع، وبوعيه يستطيع القضاء على أي شكل من أشكال التفلتات، سواء أمنية أو اجتماعية أو أخلاقية.
علمتنا تجربة حرب 15 أبريل درسًا بليغًا، وزاد الوعي الشعبي أكثر. والشعب هو سيد نفسه، وتمسكه بإكمال هياكل السلطة التشريعية ينبغي أن يكون المطلب الأول، ليقرر بنفسه كيف يُحكم، وكيف تُطور القوانين لتكون رادعًا لكل من تسوّل له نفسه المساس بالمجتمع السوداني.
لقد أعطتنا الحرب درسًا في ضرورة التوحد ونبذ الخطابات العنصرية والجهوية. كما أن دور الإيواء في مختلف المدن خلق واقعًا اجتماعيًا جديدًا ومترابطًا، ويجب دعم هذا التوجه والانفتاح على ثقافات الآخرين لنكون سودانيين فقط دون قبيلة.
رسالتي للشباب: أنتم قادة المستقبل وصنّاع الواقع. ضعوا أيديكم معًا، وانبذوا أي صراعات بينكم. فالأهم هو كيف نحكم؟ وليس من يحكم؟.
ب/ كيف يمكن للمواطن أن يشارك بفاعلية في دعم استكمال الفترة الانتقالية؟
ج – كل من حمل البندقية من غير العسكريين وقدم نفسه ودمه لأجل بقاء السودان ودحر التمرد، هو مشارك بالضرورة في استكمال الفترة الانتقالية.
المزارعون، الرعاة، والعمال، كلٌّ في ميدانه صانع لتاريخ جديد للسودان فيما بعد الفترة الانتقالية. التمسك بالحقوق هو الضامن لبقاء الوطن. وأي سلطة مطلقة هي سلطة فاسدة. لذا فإن إكمال هياكل السلطة هو تجسيد لمبدأ العدالة.



