الرحيق المر
اسكان الصحفيات ….
عقار والاسئلة الصعبة
سعاد الخضر
مع أول طلقة للحرب التي اشعلتها مليشيا الدعم السريع وجد الصحفيين انفسهم وهم بلا منابر فقدوا وظائفهم هكذا دون اي مقدمات … ووجدنا أنفسنا ونحن الذين كنا نتنفس عشق الحروف وكانت الحياة بالنسبة الينا تدور بين رحى صحفنا … كنا نساهر الليالي من اجل سبق صحفي أو حتى عمل روتيني عادي لكننا كنا نسابق الساعات حتى تخرج صحفنا في اكمل ثوب ….
فشارع الجرائد. هو حارتنا التي ترعرعنا فيها … و صالات التحرير هي منازلنا التي كنا نعمرها بفكرنا
كانت العلاقة بيننا وبين السلطة الحاكمةحلقة الوصل فيها الشعب … كنا نساند المعارضة قبل الثورة لانها كانت الاقرب الى نبض الشارع … فحملنا همومه وآماله في التغيير حتى سقط نظام الانقاذ بفضل انحياز الصحف لارادة الشعب حيث أن أضعف حلقات حكومة الانقاذ كانت الاعلام حتى ان بروفسيور ابراهيم غندور اعترف بفشلهم في السيطرة على الصحف …
كنا نحن رواة الاخبار
التي زلزلت اقدام رموز نظام الانقاذ حتى في أحلك اللحظات كنا نحرص على أن نرصد تفاصيل عرش النظام الذي بات مهزوزا
بسبب انغماس قادته في الفساد واصرارهم على الاستفراد بحكم البلاد والشاهد على ذلك سعيهم الى افشال الحوار الوطني الذي كان بمثابة الفرصة الأخيرة لهم لكنهم أضاعوه حتى مشاركة المؤتمر الشعبي الذي ظل معارضا لسنوات طويلة اجهضوها رغم ان الحوار كان يمكن أن يكون طوق النجاة ولكن تمترس المعارضة في موقفها الرافض زاد الطين بلة فالصراعات الداخلية و الخارجيةوتزايد الضغوط الاقتصادية فاقمت الغبن الشعبي فتسارعت وتيرة
سقوط النظام عبر ثورة شعبية سقط فيها اكثر من مائة شهيد.
التزامنا بمهنيتنا اثناء الثورة دفعنا للاستمرار في تغطية فعاليات الحزب الحاكم حتى بعد بدء اعتصام القيادة ورغم ذلك جاءت لحظة شعرنا فيها اننا يجب أن نقاطع أخبار الحزب الحاكم بسبب اغتيال الثوار وتعاهدت وصديقتي مزدلفة دكام على ذلك
إلا أن رئيس قسم الاخباربصحيفة الجريدة ٱنذاك الزميل ايمن سنجراب رفض ذلك واقنعنا بأننا نقوم بدور عظيم في تعرية النظام وفعلا فقد زادت تصريحات البرلماني الفاتح عز الدين والتي قال فيها الراجل يمرق زادات الحراك الثوري لهيبا
وظلت الثورة محط انظار السودانيين وغاية حلمهم لكن الصراع بين الاسلاميين واليسار و بروز الاجندة الخارجية حال دون تحقيق التغيير المنشود الذي اصطف الصحفيين خلقه كواجب وطني
ولم يشفع لهم ذلك أو يعصمهم من الاتهام بالانتماء للفلول لاحقا فالشعارات البراقة التي ظننا أنها ستطبق بعد سقوط النظام أصبحت ضربا من الخيال رأينا تسيس الخدمة المدنية و ماعجزت عن تطبيقه الانقاذ من رفع سعر قطعة الخبز من جنيه فقط نفذه رئيس مجلس الوزراء الانتقالي السابق د عبد الله حمدوك الذي صعد الى السلطة بتأييد شعبي غير مسبوق وبدلا من أن ينحاز للشعب الذي جاء به محمولا على الأعناق انحاز دون أن يرف له جفن لروشتة صندوق البنك الدولي فارتفع سعر القطعة الى 50,جنيه وعندما جاء الوقت المناسب
لتشكيل النقابات ظن المراهقون السياسيون أنها فرصتهم للهيمنة عليها ولكن تصدينا لهذه المحاولات على الأقل على مستوى القاعدة الصحفية …
ظلت مشكلة التمثيل القاعدي هي الاساس. لأن بلادنا فشلت في الوصول الى الانتخابات المرجوة لذلك في كل مرة تأتي مجموعات سياسية أو مدنية أو عسكرية سواء أن جاءت برغبة الشعب أو حصلت على تفويض محدود تسرق اسم الشعب وفعالياته المختلفة وتدعي تمثيلها المطلق كما تفعل تقدم في الخارج وكما تفعل بعض الاجسام السياسية والطوعية بالداخل
فهل نحن لانمتلك قوانين تضبط كل هذه الفوضى حتى تستقيم الاوضاع في بلادنا وتتعافى؟
لكل هذه الاسباب تمترسنا نحن في خانة الوقوف مع الشعب حتى لو كان الثمن الاتهام بجريرة الفلول ومن المؤسف حقا أن كل من يدعم الجيش باعتباره مؤسسة قومية يتم نعته بالفلول انظروا الى اي درك نزلنا ؟
حينما أصبحت خيانة الوطن مجرد اختلاف في وجهات النظر فكيف يمكن لسوداني ان يقبل بأن تحل مليشيا محل الجيش الوطني طوال مسيرتي الصحفية لم اكن في يوم من الأيام إلا في المكان الذي يعبر عن الشعب ولم اقترب يوما ما من سلطة ليقيني بأن الحكومات زائلة والشعب باق ( حيكومات تجي وحيكومات تغور).
كنا باستمرار نختار الوقوف في صف المعارضة لكن جاءت اللحظة التي لا نستطيع أن ننحاز فيها ضد جندي شريف يقاتل من اجل السودان …
ظللنا ابعد ماتكون عن السلطة للحفاظ على استقلاليتنا ولاول مرة نقبل أن تمد لنا الحكومة يدها .
ففي ظروف النزوح اكرم لنا أن تمتد الينا ايادي مؤسساتنا السودانية بدلا من أن تصرف علينا منظمات اجنبية تسعى لتحقيق أجندة دولية مشبوهة
لأول مرة تحظى الصحافيات السودانيات اللائي أثرن البقاء في الداخل ومكثن اكثر من عام كامل بمجهودات فردية منهن في مواصلة عطائهن الصحفي برغم تخلي مؤسساتهن الصحفية عنهن إلا أن ايمانهن بضرورة الدفاع عن الوطن في هذه اللحظات العصية من تاريخ بلادنا حفزهن على الصمود برغم الاغراءات في الفرص الخارجية لأول مرة يحظين باهتمام الدولة عبر مبادرة اسكان الصحفيات والتي قادها بحكنته المعهودة مربي الأجيال الاستاذ جمال عنقرة برعاية نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار وباشراف الصحفية مزدلفة دكام والتي أجبرني صمودها على نعتها ب ( زولة نبيلة في الزمن الغلط)
كانت معارضتي للانظمة صارخة بقدر انتمائي لشعبي وانحيازي لمعاناته وكنت أول المراهنين على أن الانقاذ استنفذت اغراضها لكن حماستي للتغيير لم تجرفني وتبعدني عن التفريق بين الدولة والحكومة ذلك
الوعي الذي افتقدته أحزاب عجزت أن تكون بقامة الوطن اليوم وبلادنا في مفترق طرق نستعصم بدولتنا .
وبجيشنا مهما كانت عيوبها سواء كانت مختطفة أو يتم تجييرها لصالح مجموعة ايدلوجية معينة كما يبرر الذين يقفون مع المليشيا لأنك حين تريد تحرير وطن أو مؤسسة ما فأنت لا تستعين بقوة خارجية لا يفرق سلاحها بين جندي شريف أو جندي يسعى لتحقيق أجندة حزبه
نستعصم بدولتنا لنساهم في تثبيت دعائم بقائها بعد أن تكالب عليها اعداء الداخل والخارج فقط لأننا نفرق بين الدولة والحكومةهذا التفريق الذي سيجعلنا نحافظ على مهنيتنا واستقلاليتنا
وسينقلنا كصحفيين من العداء المطلق للانظمة إلى مرحلة جديدة
ولا اكذبكم القول انني كنت أتوجس خيفة على تأثير دعم نائب رئيس مجلس السيادة على استقلاليتنا كصحفيات فدورنا الرقابي يتعاظم في ظل غياب البرلمان
لكن ماازال مخاوفي أن عقار لم يطلب منا دعم حكومته وانما
طلب منا أن نستفيد من وجودنا في مجموعات في تحقيق انجازات جديدة وفي المساهمة في إعادة كتابة التاريخ .
وعندما زارنا للمرة الثانية ادركت أن دولتنا عرفت طريقها الى ملامسة قضايا الناس خاصة ان تلك الزيارة جاءت ضمن جولات اجتماعية اخرى لكنها قطعا بحاجة الى المزيد للوقوف على اوضاع النازحين في مراكز الايواء
وبمثلما ساهمت المبادرة الكريمة في حل أزمة سكن الصحفيات فانها وضعت اطار جديد للعلاقة بين السلطة والاعلام الذي يجب أن يتحقق فيه قدر من التوازن المطلوب .
بحيث تقوم الدولة بدورها نحو الصحفيين بدلا من تركهم لقمة سائقة للقطاع الخاص أو المنظمات الدولية ويبقى الرهان على تمسك الصحفيات باستقلاليتهن ووطنيتهن وقطعا لن يكون ذلك التوازن ضد مصلحة الوطن أو الشعب