عبير نبيل محمد تكتب : بين خليل وجبريل… بيتٌ يسكنة الوطن لا يُباع حركة العدل والمساواة السودانية

—
بين خليل وجبريل… بيتٌ يسكنة الوطن لا يُباع
حركة العدل والمساواة السودانية.
بقلم: عبير نبيل محمد
التضحيات لا تموت
من منّا لم يقدِّم شيئًا في سبيل وطنة؟ من لم يتنازل عن رغبة، أو يؤجل حلمًا، أو يُضحي من أجل فكرة؟ التنازل أحيانًا ليس ضعفًا، بل تجلٍ نادر للقوة… رمز من رموز الحزن النبيل،
ومن مِنّا لم يُضحِّ؟
من مِنّا لم يتنازل عن عمره، حلمة، لقمة خبزه، من أجل الآخرين؟
من مِنّا لم يذُق مرارة المساومة من أجل شيءٍ ثمين، لكنه خسر كل شيء؟
من مِنّا لم يجعل من قلبة ضريبةً لأجل البقاء؟
هكذا نحن… نضع الحبّ على مذبح التضحية، ونمضي.
نحن الذين شُرِّدنا، جُعنا، وذقنا مرارة الفقد دون أن تنكسر جباهنا.
نحن الذين وُلدنا على قارعة حرب، ورضعنا من أثداء الجوع، ووقفنا بين الدمع والرصاص ننتظر فرجًا لا نراه.
لكن بين كل ذلك، كان هناك بيت.
بيت، لا يشبه البيوت… بيت يشبه الحلم، يشبه الوطن حين يكون قلب أم.
كان بيت يشبه خلاوي القرآن، أبوابة لا تُغلق في وجه غريب، ولا يعرف المسافر حين يدخل إن كان صاحب الدار أم ضيفًا عليها… هكذا كان دار الشهيد د. خليل إبراهيم، رجل بملامح الصدق وقلب يتسع لوطن. رحل فقيرًا، وترك لنا إرثًا يُغني عن الذهب… ترك “الدار”.
وفي زاوية هذا البيت، بدأت الحكاية…
رجلٌ فقير، مات وفي جيبة لا يملك حتى “قرش الدواء”،
رجلٌ كانت جدران بيته لا تحددها حجارة، بل كانت أرواحًا تنام عند بابه وتستيقظ على عدلة.
ذلك الرجل كان: د. خَلِيلُ إِبْرَاهِيمَ.. رَحْمَةُ ٱللّٰهُ
لكنه لم يكن مجرد اسم، كان مقامًا.
مقام نبيٍّ في ثوب ثائر، يمشي بين الناس فيردّ المظالم ويمسح دموع الأطفال بلا موكبٍ ولا حراس.
خليل إبراهيم.. من الحلم إلى الإرث
ذلك الذي بنى أعظم دار سودانية اسمها حركة العدل والمساواة، لم يبنها على أساس قبلي أو مناطقي، بل على أعمدة من العدل والمساواة، ورؤية وطنية جمعت كل أطياف الشعب في دارٍ واحدة. كان يقول:
“إن لم تتسع الدار للجميع، فليُهدم جدارها ويُبنى من جديد.”
أذكر واقعة لا تغيب عن ذهني، يوم أن زار خليل أحد معسكرات النزوح، وكان يحمل بيده كيسًا من الأدوية… وقف وسط الناس وقال:
“هذه ليست مساعدات، بل ديوننا لكم. أنتم من أوصل صوتنا للسماء.”
تلك الكلمات لا تزال تتردد في أذني، واليوم، أراها في خطوات أخية، د. جبريل.
تُروى الحكاية، لا بل تُهمَس، لأنها من وجعٍ لا يُروى بصوتٍ عال…
جاءه رجلٌ بسيط، يحمل بين يديه طفلةً كأنها الفجر إذا بكى.
مريضة، ترتجف، وحرارتها تكوي الجلد.
قال الأب: “سيدي… ما عندي ثمن الدواء، ولو بعتُ روحي، لن أستطيع أن أشتري لها الشفاء”.
نظر خليل في عين الرجل، ثم نظر إلى الطفلة.
لم يقل شيئًا… فقط خلع ساعتة.
تلك الساعة التي أهداه إياها أحد الرؤساء، لم تكن ذهبًا، بل كانت تحمل ثِقَلَ المجد،
أرسل أحد رفاقة مسرعًا إلى المدينة، عبر الصحراء، لشراء الدواء.
لكن الزمان خانة، والطريق غدر به.
وصل الدواء عند الفجر،
وكان الفجر قد استقبل روح الطفلة.
جلس خليل على الأرض،
غطى وجهة براحتية،
وبكى… نعم، بكى.
كأن كل آهات السودان خرجت من قلبة دفعة واحدة.
بكى لا كقائد، بل كأب، كأخ، كإنسان.
منذ ذلك اليوم لم يلبس ساعة، وكأن الزمن صار عدوه،
وكأن كل ثانيةٍ تمر، تذكره أنّ الدواء أحيانًا لا يكفي، وأن بعض الأوجاع لا شفاء لها إلا بالعدالة.
خليل إبراهيم لم يبنِ حركة، بل بنى بيتًا…
اسمه: حركة العدل والمساواة السودانية.
بيت لا يفرّق بين لون ولا قبيلة،
بيت جدرانة من حلم، وسقفة من كرامة.
مضى الشهيد،
لكن البيت لم يُغلق،
لأنّ فية رجالًا ونساء من معدنٍ لا يصدأ،
نساءٌ لا يكتفين بالدعاء والبكاء على الراحلين ، بل يصنعن من دموعهنّ مدادًا للوطن.
نساءٌ يرفعن جراح الوطن في أيديهن، ويقلن:
“سنبني من الركام مستقبلًا لأطفالنا”.
نساءٌ حفظن العهد، وحملن وصية الشهيد على أكتافهن، دون أن تنكسر خواطرهن.
هُنّ لسن فقط أمهات الشهداء، بل حارسات الحلم.
وفي زمن تتبدل فية الوجوه وتتهاوى المبادئ،
وقف رجلٌ آخر من ذات البيت، يُكمل الحكاية…
د..جبريل إبراهيم.. بين النار والميزانية…
لم يكن سهلًا أن يرث قيادة دار بُنيت على دم الشهداء .
بين قيادة الحركة ووزارة المالية، ووسط حرب اقتصادية وعسكرية، حمل د. جبريل سيف التوازن، لا لينجو، بل ليُكمل.
لم يساوم على إرث خليل، بل سار في نفس الدرب، يخطّة بأدوات الدولة.
لم يرث مجدًا، بل ورث وجعًا، وإرثًا ثقيلًا.
هو الذي يقف على منصة وزارة المالية لا ليجمع الضرائب، بل ليعيد للوطن اتزانةُ. وسط زلازل الساسة.
قال في حوارٍ واضح مع صحيفة الكرامة:
> “انتهى مشروع الحكم بالقوة الجبرية منذ 15 أبريل 2023،
نحن نؤمن بصناديق الاقتراع لا صناديق الذخيرة”.
جبريل، لا يسعى إلى سلطة، بل إلى وطن عادل…
لا يوزّع المال وفق الولاءات، بل وفق استحقاقات أبناء البيت الكبير.
لم ينحنِ للعاصفة، ولم يساوم على دماء الشهداء،
ولم ينسَ أبدًا أنّ الساعة التي لم تُنقذ الطفلة، كانت بداية زمن لا يُباع.
القوات المشتركة… أولاد البيت، أولاد الحلم.،
بل أبناء قضية.
جبريل قالها بصوتٍ لا يرتجف:
> “خلافات القوات المشتركة الوطنية أمنية للعدو… وذهاب الريح يعني ذهاب الوطن”.
وهذا القول لا يصدر إلا من قلب يرى الوطن بيتًا… لا قطعة أرض تُقسَّم.
اليوم، وبين ركام الحرب،
تجهز حركة العدل والمساواة السودانية ملفاتها للتحول إلى حزب سياسي وطني،
ليس تنصّلًا من البندقية، بل وفاء لها، حين تُسلَّم للعدالة.
هكذا تكون الحركة قد كبرت،
وأصبحت بيتًا يسكنةُ الوطن، لا يُباع.
ختامًا…
في قلب المعركة، لا تنام
النساء اللاتي يحملن العهد، كما يُحفظ القرآن،
رجال من كل فج، ونساء من كل قبيلة،
يقفون على باب البيت، يردّون الظلم، ويصنعون تاريخًا لن يُمحى.
حركة العدل والمساواة السودانية ليست ذكرى…
بل مستقبل لم يُولد بعد،
لكنه آتٍ.
لِأَنَّها أَبْوابُ مِفْتاحِ الوَطَنِ الجَديدِ.
د. خَلِيلُ إِبْرَاهِيمَ، رَجُلٌ لَا يُشْبِهُهُ أَحَدٌ،
خَرَجَ مِن رَحِمِ ٱلظُّلْمِ، وَحَمَلَ قَضِيَّةَ شَعْبِهِ عَلَى عَاتِقِهِ،
مَا بَاعَ وَلَا خَانَ، وَمَا ٱنْحَنَى لِعَاصِفَةٍ وَلَا طَامِعٍ.
صَوْتُهُ فِي ٱلْمَيَادِينِ كَانَ نَبْضًا،
وَسَكُوتُهُ فِي ٱلْمَجَالِسِ كَانَ حِكْمَةً.
عَلَّمَنَا أَنَّ ٱلْعَدْلَ لَا يُسْتَجْدَى،
وَأَنَّ ٱلْحَقَّ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا بِيَدٍ تُؤْمِنُ بِهِ.
سَارَ وَمَا تَوَقَّفَ، جَاهَدَ وَمَا وَهَنَ،
حَتَّى نَالَ شَهَادَتَهُ كَمَا يَشْتَهِي ٱلْأَبْطَالُ.
رَحِمَكَ ٱللّٰهُ يَا د. خَلِيل،
فَقَدْ كُنْتَ لِلْأَرْضِ زَادًا، وَلِلْأَحْرَارِ قَائِدًا،
وَلِلتَّارِيخِ سَطْرًا لَا يُمْحَى
سلام وأمان فالعدل ميزان
توقيع لا يُنسى: عبير نبيل محمد …أنا الرسالة حين يضيع البريد… امرأة من حبر النار
—



