آراء ومقالات

الطابور الخامس في السودان: من يحمي الظل الذي يلتهم الدولة؟*

الطابور الخامس في السودان: من يحمي الظل الذي يلتهم الدولة؟*

الطابور الخامس في السودان: من يحمي الظل الذي يلتهم الدولة؟*

كتب: محمد الأمين عبدالعزيز

في خضم التحديات الجسيمة التي تعصف بالسودان، تبرز على السطح أسئلة أكثر عمقاً وإلحاحاً من مجرد التحليل اليومي للمعارك والتحالفات السياسية. يأتي في مقدمة هذه التساؤلات ذلك اللغز المحيّر حول الكيان الخفي الذي يعمل من داخل مفاصل الدولة، والذي يُصطلح على تسميته بـ “الطابور الخامس”. هذا الكيان ليس مجرد معارضة سياسية، بل هو خط منظم يعمل بدأب على إشعال الفتن بين مكونات النسيج الاجتماعي السوداني، ويسعى جاهداً لشق الصف الوطني الواحد، مستخدماً أبشع الأدوات وهي إثارة النعرات العنصرية والجهوية بين شعوب السودان التي تعايشت لقرون.

إن خطورة هذا الطابور لا تكمن فقط في أهدافه الخبيثة، بل في قدرته التدميرية الهائلة الكامنة في الخطوط التي يقودها. فهو كالنار التي تبدأ بشرارة صغيرة في الهشيم، لكنها سرعان ما تتحول إلى حريق هائل يلتهم الأخضر واليابس. يعمل هذا الخط على تقويض الثقة بين المواطن والدولة، وبين المكونات المجتمعية المختلفة، ليخلق حالة من الفوضى والشك المتبادل التي لا تخدم إلا أجندة خارجية أو مصالح ضيقة لا ترى في الوطن إلا غنيمة يجب اقتسامها. إنه يمثل استنزافاً حقيقياً لطاقة الدولة والمجتمع، ويخصم من رصيد الجميع دون أن يضيف لأحد، سوى لأولئك الذين يقتاتون على الأزمات!.

*وهنا*، يطفو على السطح التساؤل الأكثر خطورة وإثارة للقلق: ماذا لو كان هذا الخط المدمر يحظى بحماية ودعم من شخصية نافذة على أعلى مستويات هرم السلطة؟ إن استمرار هذا النهج التخريبي دون ردع أو محاسبة يثير شكوكاً مشروعة حول وجود من يستفيد من بقائه. قد يكون الهدف هو حماية الذات عبر إشغال الدولة والمجتمع بصراعات داخلية، أو ربما تمرير أجندات لدول خارجية تجد في ضعف السودان فرصة لتحقيق مصالحها. في هذا السياق، يمكننا أن نتهم المجلس العسكري أو رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مسؤولاً بشكل مباشر عن استمرار هذا الخط الذي يهدم الدولة من أساسها. لأنا وجوده على رأس السلطة يجعله المسؤول الأول عن أمن البلاد ووحدتها، واستمرار هذا النزيف يمثل إعادة إنتاج لفشل الحكومات السابقة. إن أقل لوم يمكن أن يقع على عاتقه هو التقصير في وضع آليات حقيقية وفعالة لمكافحة هذا الطابور الخامس وتجفيف منابعه، وهو تقصير يكلف السودان مستقبله.

ولا يمكن إغفال دور شبكات المصالح العميقة، المتمثلة في مجموعة من الأسر والروابط العرقية التي اعتادت تاريخياً على التلاعب بمفاصل الدولة ومؤسساتها. بحكم ورثتها للحكم من المستعمر منذ تأسيس الدولة المُخل! وهذه المجموعات، تتجاوز الولاء للوطن إلى الولاء لمصالحها الشخصية الضيقة، تجد في حالة السيولة والفتنة بيئة مثالية لتعزيز نفوذها وثرواتها، غير عابئة بمصير الملايين من أبناء الشعوب السودانية.

*في مقابل هذه الصورة القاتمة*، تبرز نقاط ضوء تبعث على الأمل. فلا بد من الإشادة بالمجهودات الوطنية التي بذلتها “قوات درع السودان” بقيادة اللواء أبو عاقلة كيكل، في تصديها الشجاع لمليشيا الدعم السريع، مقدمةً نموذجاً في الدفاع عن الأرض والعرض وحفظ وحدة السودان ارضاً وشعوباً؛ وفي هذا المقام، نتقدم بأحر التعازي والمواساة للقائد كيكل في استشهاد نجله وكل رفاقه، الذين روى بدمائهم الطاهرة أرض الوطن، فمصابه هو مصاب كل سوداني شريف غيور على بلاده.

إن السودان ليس مجرد دولة عادية، بل هو بوتقة حضارية فريدة، وملتقى لأربع مناطق جيوسياسية إفريقية كبرى (غرب أفريقيا، والقرن الإفريقي، وشمال إفريقيا، ووسطها)، مما منحه ثقافة مشتركة مميزة وروحاً وطنية قوية قادرة على الصمود. ولهذا، يجب على أهل السودان، بكل تنوعهم وإرثهم العظيم، الانتباه الشديد لخطورة خطوت تيارات الدولة العميقة التي تسعى لبث فتن التفرقة والتمزق الاجتماعي، خدمةً لمصالح شخصية مغلقة ذات ميول إثنية مقيتة.

*إن المخرج* من هذا النفق المظلم يكمن في إرادة الشعب السوداني نفسه. لقد حان الوقت للدعوة إلى شراكة وطنية حقيقية، تنطلق من قلب السودان النابض في الوسط والغرب، ثم تمتد لتشمل كل أقاليم السودان دون استثناء. شراكة تؤسس لعهد جديد من الحكم، وطريقة مبتكرة لإدارة الدولة، تقوم على أسس واضحة لا تقبل المساومة: التوزيع العادل للسلطة والثروة، والاحترام الكامل للتنوع الثقافي والعرقي كمصدر قوة لا ضعف. إن بناء سودان جديد، آمن ومستقر ومزدهر، يبدأ من هذه النقطة بالتحديد.

وحتما سوف نكون كما نود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى