الاستاذ مصطفى عليش يكتب : السوداني والهروب العظيم من مشاعره

السوداني وثقافة الهروب العظيم من مشاعره
بقلم: مصطفى عليش
في السودان، ما بنحب نواجه الأشياء بوضوح. دا ما جبن، لكن زي ما يكون اتعلمنا من صغرنا نغلف مشاعرنا، نخبي رأينا، ونقول الكلمة بطريقة فيها احتمالين، عشان ما نكسر هيبة الصمت.
الحب مثلاً…
نادر تسمع زول يقول لي زول تاني “أنا بحبك”. الكلمة تقيلة في اللسان، كأنها فيها ضعف أو كسرة نفس. عشان كدا بنقول “الريد”، كلمة أخف، لكنها ما بريئة. بنستعملها عشان نتفادى لحظة الصدق المُحرجة، اللحظة البتعرّينا قدام زول بنحبه.
وفي الغُنا، حتى الفن ما بيسلم من الزوغان. الشاعر يخاطب المحبوبة كأنها راجل، يستخدم صيغة المذكر، ما عشان خطأ لغوي، لكن عشان يهرب من نظرة المجتمع، من السؤال البجي بعد الغُنا: “كتبت الكلام دا في منو؟”.
والمشكلة ما بس في البوح…
حتى لما الناس تجاملنا أو تقول لينا كلام كويس، بنرد برد بارد:
“خلي كسير التلج”.
يعني كأن الكلام الحلو فيه مذلة، أو كأن الشكر والثناء تقليل من الشأن.
بتشوف في عيون الزول إنه مبسوط، لكن كبرياؤه بيمنعه يعترف، يصد، يغيّر الموضوع، يقول ليك “ياخ بلا كترة كلام معاك .
دي ثقافة كاملة قايمة على المداراة.
على الخوف من المواجهة، على الصبر على كل شيء… إلا المشاعر.
المشاعر لازم تتلفح، تتخبى، تتلمّح، لكن ممنوع تُقال بوضوح.
والنتيجة؟
قلوب كثيرة اتكسرت وما قدرت تقول وجعها.
علاقات انتهت بدون سبب واضح، بس لأنو الناس ما عرفت تتكلم.
“أحبك” ماتت كتير قبل ما تطلع من القلب وللسان.
في السودان، الزوغان دا ما تصرّف فردي، دا أسلوب حياة.
أسلوب بنحاول بيه نحمي نفسنا من الإحراج، من الرفض، من كسر النفس والكبرياء.
لكن مرات، الزوغان ذاته هو البيكسرنا أكتر من البوح.
السؤال البيطرح نفسه هل في طريقة نقدر نغير بيها هذا السلوك
اقول اي ممكن نبدأ بخطوة بسيطة:
نسمح لنفسنا نقول الكلام الطيب.
نسمع الشكر، ونرد عليه بابتسامة، ما بتقليل.
نحاول نكون صادقين في مشاعرنا، حتى لو شويّة شويّة.
لأنو الصدق ما ضعف، والكلام ما مذلة، والمشاعر ما جريمة.
البوح قوة… مش كسير تلج.
أها بعد ما قريت الكلام ده لقيت نفسك في اي حته 😅😅😅



