على حبل الظلم: قضية يواء وصرخة العدالة المذبوحة في السودان
على حبل الظلم: قضية يواء وصرخة العدالة المذبوحة في السودان

على حبل الظلم: قضية يواء وصرخة العدالة المذبوحة في السودان
كتب: محمد الأمين عبدالعزيز
في خضم الحروب، لا يقتصر الدمار على الأرواح والمباني، بل يطال منظومة العدالة التي يُفترض أن تكون الملاذ الأخير للمظلومين. إن غياب الشفافية والنزاهة عن القضاء يحوله من حصن للحق إلى أداة للبطش، وعندما تتسلل الرشوة والفساد إلى قاعاته، يفقد المجتمع ثقته في الدولة بأكملها، لتترسخ شريعة الغاب وينفتح الباب واسعًا أمام دوامة لا تنتهي من الظلم والانهيار. إن أي نظام عدلي لا يلتزم بمبادئ القسط والمحاكمة العادلة، خاصة في أوقات النزاع، إنما يكتب شهادة فنائه بيده، ويدفع بالوطن نحو المزيد من التمزق.
تتجسد هذه المأساة في قصة الشابة السودانية “يواء”، التي وجدت نفسها ضحية لتحالف بغيض بين الفساد في الأجهزة النظامية وانحراف المسار في النظام العدلي. ذنب يواء الوحيد كان شجاعتها في كشف الحقيقة؛ حيث تحدثت علنًا ضد أحد عناصر مليشيا الدعم السريع المتورط في نهب ممتلكات المواطنين في حي المزاد ببحري. لكن بعد سيطرة الجيش على المنطقة، نجح هذا الشخص في التغلغل داخل الأجهزة النظامية مدعيًا أنه كان يعمل لصالح الاستخبارات، ومستخدمًا علاقاته القديمة في تنظيمه القديم وابناء عمومته لغسل نفسه!.
عندما وقفت يواء في وجهه، استخدم نفوذه الجديد للانتقام، فلفق لها بلاغًا كيديًا بالتعاون مع “الجنجويد”، وهي التهمة التي كان هو أحق بها. وبفعل المال الحرام، تم شراء شهود زور ليشهدوا ضدها في محاكمة صورية، بينما أصدر القاضي أمرًا بمنع أي شخص من الحي من الإدلاء بشهادته لصالحها، في انتهاك صارخ لأبسط حقوق الدفاع. وهكذا، حُكم على فتاة أرادت العدل لضحايا النهب بالإعدام، لأن صوتها الصادق هدد مصالح شبكة الفساد.
قضية يواء لم تعد مجرد قضية فردية، بل تحولت إلى قضية رأي عام كشفت عن شرخ عميق واختلال خطير داخل القوات النظامية، الأمر الذي يزيد من الهوة بين المواطن والدولة ويهدد الإلتحام الوطني. إن سماح مؤسسات الدولة باستخدام قوانينها لحماية المجرمين ومعاقبة الأبرياء يقوض ثقة الشعب في حُماته، ويغذي الحلقة المفرغة من الانقلابات والحروب التي أنهكت السودان. فالثقة المفقودة بين الشعب والجيش هي الوقود الذي يضمن استمرار الاشتعال.
إن إيقاف هذه المهزلة العدلية وإنقاذ رقبة يواء ليس مجرد انتصار لفتاة بريئة، بل هو ضرورة لحماية مستقبل السودان. يجب على العقلاء والشرفاء داخل المنظومة العسكرية والعدلية والمجتمع ككل رفض هذه الظواهر الخبيثة ومكافحتها قبل أن تستشري وتصبح هيية الحكم وثقافته. العدالة ليواء هي عدالة للسودان، وإعادة محاكمتها بشكل عادل وشفاف هي الخطوة الأولى لإعادة الثقة وإثبات أن الدولة ما زالت قادرة على الانتصار للحق، لا حمايته للظلم.! أو سيكون لشرفاء هذه البلاد حديث آخر.
#العدالة_ليواء



