جلال الدين عشر يكتب : مآلات السودان بين الفاشر وبورتسودان

مآلات السودان بين نيالا وبورتسودان:
🖊️: جلال الدين إسحق عُشر
طالعنا مؤخراً ظهور قائد ميليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو ونائبه في حكومة التأسيس ورئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز آدم الحلو، في شوارع نيالا عقب أداء القسم وإعلان انطلاقة حكومة تأسيس.
وقد تفاجأ الكثير من هذه الخطوة، والتي لُمِّعت بأكثر من حجمها وتأثيرها الحقيقي، ولكن في ظل هذه المرحلة الشائكة ما زال الوقت مبكراً، ونستطيع أن نقول إنها لا تعدو كونها مبارزة سياسية ذات تأثير محدود ومؤقت.
على الصعيد الاستراتيجي:
جميع المؤشرات تقول إن هذه الخطوة جاءت نتيجة لتفاهمات وضغوط دولية تمت مع الطرفين، ورسم خارطة مستقبلية لإنهاء الحرب عبر آلية التفاوض.
وللتهيئة لها ينبغي منح ميليشيا الدعم السريع السيطرة على نطاق دارفور ثم إدارتها بالشكل الذي تراه إلى حين الوصول إلى الاتفاق النهائي الذي يُشكِّل المشهد، ولذا يأتي التلاعب بالفاشر من قِبل القيادة بوصفها آخر ولاية في دارفور خارج سيطرة الميليشيا.
وبجميع لغات المنطق العكسري لا يوجد ما يمنع من تحرك ذات القوات التي قامت بعمليات تضامنية وبروح معنوية موحدة إبان عمليات الخرطوم والجزيرة وسنجة وسنار والجيلي وغيرها من المناطق التي تم تحريرها.
وهي حالياً متكدسة كقوات تأمين بمناطق الوسط وأقصى الشمال بأضعاف من المطلوب، وفي أواسط المدن التي من مهام الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى، وكذلك موزعة بمتحركات مختلفة على نطاق كردفان، دون تبني خطوة عملية واستراتيجية واضحة من الدولة تجاه فك حصار الفاشر والتقدم نحو مناطق دارفور.
مصير الفاشــر:
وما يحدث في الفاشر هو استنزاف للقوات التي تقاتل هناك لقرابة العامين، وقد صدَّت خلالها حوالي 235 هجوماً، وحسب المعلومات من هناك أنها ما زال لديها الكثير لتقدمه، إلا أن ذلك لا يعني أنها قوات أسطورية تهدي انتصاراتها الواحدة تلو الأخرى في ظل هذا التجاهل والتخاذل الممنهج من قادة الدولة، لا سيما الجيش.
لأن الأخير يعتقد بأن القوة المشتركة إذا ما تم إسنادها ودعمها بالقليل من الإمكانات والتغطية الجوية ستكتسح دارفور كما فعلت في المناطق السابقة، وبذلك تصبح قوة عسكرية كبيرة قد تُشكِّل خطراً سياسياً كبيراً في المستقبل، ولعلها حركات تنطلق من خلفيات مرتبطة بإعادة هيكلة الدولة القائمة على الخلل الاجتماعي.
نتائج زيارة البرهان لسويسرا:
السيناريو الذي أراه، والذي تم الاتفاق حوله (في سويسرا) سراً بين قائد الجيش البرهان ومبعوث الرئيس الأميركي، هو وضع خارطة جديدة تقوم على التنازل عن الفاشر وكذلك محاولة تكميم وتحجيم دور الإسلاميين تمهيداً للتسوية السياسية المرتقبة.
ولذا جاءت هذه الخطوات التي شهدناها من إحالات الضباط المنظمين أو الداعمين لتيار الحركة الإسلامية (المؤتمر الوطني).
دور قيادة القوة المشتركة:
أما دور رؤساء الحركات المسلحة، فقد أصبح باهتاً رغم أنها ما زالت فاعلة في هذا المشهد، بل لديها قوة سياسية لا يستهان بها، وكذلك تأثيرها الميداني لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، لكنها آثرت فكر “الدولجية”، أي الخضوع للبرهان ليقرر مصير المشهد.
وقد تكررت هذه النماذج، ومنها تعيين رئيس الوزراء الحالي وكذلك السابق دفع الله الذي تم تكليفه ولم يحضر (غض النظر عن الأسباب)، إلا أن تلك قرارات لم تتم عبر آلية مشتركة تجمع بينهم والبرهان بوصفهم شركاء أصيلين في هذا المشهد السياسي، على غرار شراكتهم في العمليات العسكرية التي أحدثت الاختراق العسكري وغيرت المعادلات كلياً، لكنها مؤخراً تقلصت بشكل لافت.
ونتفهم أن بعض التقديرات تشير إلى استخدام الحكمة السياسية، لكن ذلك لا يعني المقامرة ورهن المستقبل لشخص معهود أنه يفكر ببراغماتية ولا يتقيد بالمواثيق أو العهود، وأمامك كل المؤشرات التي تؤكد أن هناك صفقات تتم على نيران هادئة، لتصطدم أخيراً مع المجتمع الدولي والإقليمي كأمر واقع، وهذا ما تشير إليه الساعة الرملية.



