آراء ومقالات

عبدالمنان أبكر عمر يكتب : سقوط الفاشر.. مفترق طرق لصراع السودان وتحركات إقليمية مشبوهة:

سقوط الفاشر.. مفترق طرق لصراع السودان وتحركات إقليمية مشبوهة:

رغم الانتصارات التي يحققها الجيش السوداني ضد مليشيا الدعم السريع وتقهقر قوات المليشيا من معظم مناطق سيطرتها في وسط وشرق السودان إلا أن المشهد العام ينبئ بمرحلة جديدة وخطيرة تُدار عبر ترتيبات إقليمية تقودها أطراف معروفة بعلاقاتها الوثيقة بالإمارات – الراعي الرئيسي للدعم السريع – مما يُهدد بتمديد أمد الصراع وإعادة تشكيله على أسس جديدة.
تُعد مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور آخر المدن الكبرى تحت سيطرة الجيش في دارفور وتُشكل اهمية استراتيجية على المستويين الميداني والسياسي. المعركة الدائرة حولها الآن تحمل أهمية محورية لكلا الطرفين
في حال سيطرة الجيش على الفاشر بفك الحصار سيُكمل حلقات إحكام قبضته على كامل الإقليم الغربي ويسقط آخر معاقل التمرد في دارفور. أما إذا سقطت الفاشر بيد المليشيا فإن الدعم السريع سيتمكن من التحكم بثلاثة مطارات دولية كبرى في الإقليم (الجنينة – نيالا – الفاشر) ما يفتح أمامه بابًا جديدًا للدعم اللوجستي الخارجي وإطالة أمد الحرب من موقع (إقليمي) مستقل بحكم الأمر الواقع.
اللافت في هذا السياق هو الوجود الميداني المكثف لمتمرد عبد الرحيم دقلو – القائد الثاني في المليشيا – بدارفور ومتابعته المباشرة لسير المعارك ما يعكس إدراكهم لأهمية هذه المرحلة المصيرية.
رُصدت في الأسابيع الماضية تحركات عسكرية وسياسية مثيرة للقلق من عدة دول مجاورة للسودان جميعها تدور في فلك النفوذ الإماراتي ما يثير تساؤلات حول تنسيق إقليمي لدعم المليشيا ومحاصرة الدولة السودانية.
تحركت قوات من الجيش اليوغندي داخل أراضي جنوب السودان بذريعة حماية حكومة سلفاكير إلا أن التحركات الفعلية تتجه شمالًا نحو أعالي النيل على مقربة من الحدود السودانية. كما رُصدت طائرات شحن ومقاتلات عسكرية يوغندية تهبط في مطار فلج الحدودي ما يرجّح وجود عمليات نقل دعم عسكري أو مرتزقة محتملة باتجاه الأراضي السودانية.
من جهة الغرب سجلت تقارير ومعلومات عن استمرار حركة الشاحنات من الحدود التشادية نحو مدينة الجنينة وهي تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع. كما لوحظ تجمع واستنفار مليشيات محلية ومرتزقة (اجانب) على الحدود في مؤشر مواصلة الدور تشادي في يتسهّيل الدعم اللوجستي للمليشيا.
في الحدود الإثيوبية تزايدت التحركات مليشيا الدعم السريع في منطقة يابوس الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية (قطاع الشمال – عبد العزيز الحلو) وهي حركة وقّعت على وثيقة التأسيس مع الدعم السريع. تشير المعلومات غير رسمية إلى تدفق مرتزقة إلى هذه المنطقة ما ينذر بفتح جبهة جديدة من الشرق وهو ما يصب في مصلحة تمدد المليشيا وإرباك حسابات الجيش.
في شرق ليبيا بدأت عمليات تجنيد إجباري لشباب سودانيين في مناطق سيطرة الجنرال خليفة حفتر. رغم عدم وضوح الجهة التي يتم التجنيد لصالحها إلا أن العلاقات الوثيقة بين حفتر والإمارات وتنسيقه مع الدعم السريع توحي بأن هذه القوى البشرية قد تُوجه لدعم المليشيا.
تُعد نيروبي منصة سياسية وإعلامية لقيادات الدعم السريع حيث تستضيف عددًا من الموقعين على وثيقة التأسيس ما يعكس دورًا غير معلن لكنه مؤثر في ترتيب الأوراق السياسية للمليشيا في الخارج.
رغم تقدم الجيش على الأرض فإن هناك مؤشرات قوية على مرحلة جديدة يتم إعدادها للصراع عبر فتح جبهات من عدة حدود. وتدويل الدعم للمليشيا من خلال التسهيلات اللوجستية والعسكرية لدول مجاورة. وشرعنة المليشيا سياسيًا عبر رعاية منصات خارجية لتثبيت حضورها كمكون تفاوضي في أي تسوية مستقبلية.
تُشير كل الدلائل إلى أن هذه التحركات تتم ضمن مشروع إقليمي مدعوم من الإمارات ويخدم من خلف الستار مصالح التحالف الصهيوماسوني الذي يسعى إلى تقسيم السودان فعليًا إلى كيانات متناحرة وتفكيك الدولة المركزية وخلق واقع مليشياوي دائم والسيطرة على موارد البلاد عبر واجهات محلية عميلة.
المطلوب في هذه المرحلة ليس فقط الانتصار العسكري بل تحرك دبلوماسي واسع النطاق نحو الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية لفضح تدخلات دول الجوار. واعداد حملة إعلامية ذكية تربط بين المليشيا والمشروع الإقليمي التخريبي. وتشكيل وحدة وطنية داخلية صلبة تقطع الطريق على أي محاولات لتفكيك السودان. و يقظة استخباراتية استباقية على طول الحدود لضبط تحركات الدعم الإقليمي والمرتزقة.
السودان أمام مفترق طرق… معركة الفاشر ليست مجرد معركة عسكرية بل امتحان لوجود الدولة السودانية ككيان مستقل أو سقوطها في فخ التقسيم والتدويل.

🖋️ عبدالمنان ابكرعمر
20/4/2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى