عبدالمنان أبكر عمر يكتب : المشروع الماسوني الجديد 2
صناعة الفوضى في الشرق الأوسط والسودان انموزجا

المشروع الماسوني الجديد (2)
صناعة الفوضى في الشرق الأوسط والسودان نموذجاً:
في ظل التحولات العاصفة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة برزت أنماط جديدة من الصراع والتدخل الخارجي لا تهدف فقط إلى زعزعة استقرار الدول بل تسعى إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية والاجتماعية للمنطقة بما يتماشى مع مشروع دولي خفي وطموح أنه امتداد حديث للمشروع الصهيوماسوني العالمي.
هذا المشروع لا يعتمد على الغزو العسكري التقليدي فحسب بل يرتكز على أدوات ناعمة وواجهات سياسية وإعلامية وتوظيف دول حليفة تعمل كوكلاء في الميدان وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة التي لعبت دوراً محورياً في دعم كيانات عسكرية خارج إطار الدولة في عدد من البلدان في مقدمتها اليمن وليبيا والسودان.
يُعد السودان اليوم أحد أبرز النماذج التي تُستَعرض فيها ملامح هذا المشروع من حيث التخطيط والتنفيذ والتأثيرات الكارثية. فالأزمة الحالية التي تعصف بالبلاد والمتمثلة في الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع لم تكن وليدة لحظة بل تتويجاً لعملية طويلة من التمهيد والتفكيك بدأت فعلياً مع ما يسمى بثورة ديسمبر 2018.
رغم أن شعارات الثورة كانت تنادي بالحرية والسلام والعدالة إلا أن ما تلا سقوط نظام (الانقاذ) كشف عن تدخل خارجي كثيف تُرجم في شكل ضغط سياسي من الاتحاد الإفريقي، ومجموعة الترويكا، والرباعية الدولية، لتسليم السلطة إلى قوى مدنية معظمها من اليسار دون سند جماهيري الأمر الذي ساهم في خلق فراغ سياسي وانقسام مؤسسي في الدولة.
ضمن هذا السياق ظهرت بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) بقيادة فولكر بيرتس والذي يمثل لخط الماسونية العالمية في السودان. حيث لعبت البعثة دوراً محورياً في رعاية ما يسمى بـ(الاتفاق الإطاري) الذي وضع الجيش والدعم السريع في مسار تصادمي مباشر وأدى في نهاية المطاف إلى تفجر الحرب في أبريل 2023 بعد أن تمت شرعنة ازدواجية السلطة العسكرية والتمهيد لصراع دموي مدمر.
الدعم السريع أداة ميدانية لمشروع التفكيك ويظهر جليا من خلال الدعم الإقليمي والدولي المباشر الذي حظيت به قوات الدعم السريع لا سيما من دولة الإمارات والتي قدمت مساعدات عسكرية ولوجستية ومالية لهذه القوة رغم علمها المسبق بخطورة دعم تشكيل عسكري خارج مظلة الجيش الرسمي. هذا الدعم من منظور التحليل الاستراتيجي لم يكن عشوائياً بل يندرج ضمن مشروع إضعاف الجيش الوطني وتقويض مركزية الدولة تمهيداً لتقسيم السودان إلى كيانات طائفية أو قبلية يسهل التحكم بها.
المخطط الأكبر إعادة إنتاج سايكس-بيكو (إستعمار) بطرق جديدة إن ما تشهده المنطقة من حروب أهلية وتفكك مؤسسات الدول وصعود جماعات مسلحة مدعومة خارجياً ليس سوى وجهاً جديداً لمخطط قديم تعود جذوره إلى اتفاقية سايكس-بيكو التي هدفت إلى تقسيم المشرق العربي إلى دويلات متناحرة. إلا أن النسخة الحديثة من هذا المخطط تتسم بالمكر السياسي والعمل من خلف الستار وتجنيد واجهات محلية وإقليمية لتنفيذ أجندات لا تخدم مصالح الشعوب.
المشروع الماسوني يسعى إلى تعطيل قيام دولة وطنية قوية في السودان كما في غيره من بلدان المنطقة من خلال دعم ثورات مشبوهة وإنشاء تحالفات سياسية رخوة وتمكين قوى عسكرية موازية وإضفاء الشرعية على الانقسام السياسي والدستوري كل ذلك بهدف الوصول إلى بيئة صالحة للاستغلال الاقتصادي ونهب الموارد الطبيعية.
ما يحدث في السودان لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي والدولي الأكبر حيث تتكرر ذات السيناريوهات في دول عدة. المطلوب اليوم ليس فقط الإدانة أو الشكوى بل رفع الوعي الجمعي بحقيقة هذه المشاريع الخفية وكشف الأدوات التي تُستخدم لإضعاف إرادة الشعوب والعمل على إعادة بناء الدولة الوطنية على أسس استقلالية وسيادية حقيقية بعيداً عن التدخلات والوصايات.
✍🏽عبدالمنان ابكرعمر
15/5/2025



