الاستاذ مصطفى عليش يكتب :تشاد واللاجئون السودانيون: بين الواجب الإنساني وواجب الاعتراف بالجميل

تشاد واللاجئون السودانيون: بين الواجب الإنساني وواجب الاعتراف بالجميل
بقلم: مصطفى عليش
في عالم تمزقه الحروب وتضيق فيه فرص النجاة، تبرز بعض المواقف الإنسانية التي تستحق أن تُحكى لا لتزيين الواقع، بل للاعتراف بالفضل، وتوثيق لحظات التضامن في زمن الاضطراب.
من هنا، لا يمكن الحديث عن تجربة اللاجئين السودانيين دون التوقف أمام موقف دولة تشاد، التي فتحت حدودها وقلوبها أمام الآلاف من الفارين من ويلات الحرب في السودان، رغم تحدياتها الداخلية والضغوط السياسية والإقليمية.
تشاد، البلد الجار والشقيق، رغم محدودية موارده وتعقيدات وضعه الاقتصادي، منح اللاجئين السودانيين ملاذًا آمنًا وبيئة للاستقرار المؤقت. قد لا تكون كل التفاصيل مثالية، وقد تحدث بعض التعقيدات في التعاملات اليومية، لكنها تظل جزئيات لا تغيّب الصورة الأوسع: وهي أن دولة وشعبًا، وقفا موقفًا كريمًا لا يُنسى مقارنة باوضاع اللاجئين في الدول الأخرى.
وعن تجربتي الشخصية، وبعد عامين تقريبًا في هذا البلد، أستطيع القول إن الحياة لم تكن سهلة كما هو الحال في كل أوضاع اللجوء لكنني وجدت مساحة للتعايش، وللعمل المحدود، وللتنقل والسكن، وذلك بفضل تقبّل المجتمع التشادي وتفهّمه لوضعنا.
في بعض المواقع، واجهنا نحن كلاجئين مواقف فردية صعبة، ربما نتيجة ضغوط الظروف أو غموض الصورة حول أوضاع اللاجئين، لكنها تبقى حالات محدودة لا تمثل الموقف الرسمي ولا تعكس المزاج العام الشعبي، الذي كان في مجمله إيجابيًا.
الجميل في التجربة أن اللاجئ السوداني لم يُعامل كعبء أمني أو طارئ مزعج، بل سُمح له ضمن المعقول بالاندماج الجزئي، وممارسة نشاطات معيشية بسيطة، وهو ما يُحسب للدولة التشادية، خاصة في ظل ظروفها الخاصة.
ومن الضروري هنا أن نُفرّق بين ما يجري من تقاطعات سياسية أو دبلوماسية على مستوى الحكومات، وبين ما يجمعنا كشعوب، من روابط التاريخ والدين والجوار والمصير المتداخل.
ونحن، كسودانيين لاجئين رغم تضرورنا المباشر من هذه الحرب ولكننا لسنا طرفًا اصيل في الصراعات السياسية، وإن تحملنا اثرها الأكبر على حياتنا ولا نسعى لأن نكون عبئًا على أي دولة. لكننا نؤمن أن الوفاء يجب أن يُقابل بالوفاء، وأن الاعتراف بالجميل لا ينتقص من كرامتنا، بل يعكس أصالة شعبنا، الذي يعرف كيف يُقدّر من وقف إلى جانبه في الأوقات الصعبة.
ولأننا ضيوف في بلد له سيادتة، فإن واجبنا احترام القوانين المحلية، وعدم التورط في أي نشاط يسيء لمكانتنا كلاجئين أو يحرج السلطات المستضيفة. هذا لا يعني تقييد الصوت أو المطالب، بل التزامًا أخلاقيًا وقانونيًا بحُسن التصرف.
ربما تختلف وجهات النظر بيننا كلاجئين، وقد يشعر البعض بأن الأمور ليست كما يجب، لكن النقد لا يجب أن يتحول إلى نكران للفضل، كما أن الشكوى من تفاصيل مؤلمة لا تعني إنكار الصورة العامة.
علينا أن نتفهّم أن الاستضافة في زمن الشدة ليست أمرًا بسيطًا، وأن الدولة التشادية والمجتمع التشادي قدّما ما استطاعا، ونحن علينا أن نحافظ على هذه العلاقة بروح الاحترام والامتنان، لا بالاندفاع أو التعميم ولو تحفظنا على بعض المعاملات .
ختامًا، لا يسعني إلا أن أقول: إن شكر تشاد ليس مجاملة، بل اعتراف واقعي بوقفة إنسانية صادقة.
وإن كنا نحلم يومًا بالعودة إلى وطننا أعزّاء كما خرجنا، فلن ننسى من احتضننا حين كنا في أشد لحظات الضعف.
وسنظل نأمل أن يكون هذا الوجود المؤقت بداية لتقارب إنساني وشعبي حقيقي، لا مجرد عبور في زمن عابر.


