صوتُ القلب لا يُخرَس… والمبادرة ليست عيب

صوتُ القلب لا يُخرَس… والمبادرة ليست عيب
بقلم:مصطفى عليش
منذ خُلق الإنسان، خُلق فيه صوت داخلي اسمه الشعور، ومنذ وُجدت المرأة، وُجد معها قلب نابض بالحب، مملوء بالرحمة، قادر على أن يختار ويعبّر، لا أن يُكمّم ويُخرس باسم التقاليد. كم من امرأة أخفت مشاعرها حياءً، أو خوفًا من نظرة الناس، أو خضوعًا لعادات لا تستند إلى شرع ولا عقل، فدفنت رغبتها في الارتباط، أو كتمت أمنيتها في العودة بعد الطلاق، ومضت في حياتها نصف حيّة، لأنها لم تُعطَ حق التعبير عن قلبها. ليس عيبًا أن تُحبّ المرأة، ولا حرامًا أن ترغب في الزواج، ولا نقصًا أن تتمنى أن تعود إلى بيتها وزوجها بعد خصام أو فُرقة، ما دام كل ذلك في إطار الحلال والاحترام والنية الطيبة.
المرأة التي تبوح بمشاعرها أو تُلمّح بها، لا تفقد قيمتها، بل تُثبت أنها تملك وعيًا كافيًا بذاتها. فالسيدة خديجة رضي الله عنها، بكل ما لها من مكانة وهيبة، لم ترَ حرجًا في أن تُبادر وتعرض الزواج على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لما رأت فيه من صدق وأمانة، ولم يُنكر ذلك عليها أحد، بل خُلّد فعلها في كتب السيرة كأحد أنبل صور المبادرة والكرامة. وكذلك المرأة التي عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم لم تُوبَّخ، بل قوبلت باحترام، وزوّجها النبي من أحد الصحابة. فكيف نجرّم اليوم ما أباحه الدين؟ ولماذا نحاصر المرأة بالصمت، بينما الشرع نفسه فتح لها أبواب التعبير والاختيار والمراجعة.
والعلم أيضًا لا يُخالف ذلك، بل يؤيده. فالصحة النفسية لا تزدهر مع القهر والكتمان، بل مع الحرية الواعية في اتخاذ القرار. إن كتمان المشاعر، سواء في الحب أو بعد الطلاق، قد يؤدي إلى القلق، والاضطراب، والندم الدائم على فرص ضاعت فقط لأن الصمت كان هو الخيار المفروض. بينما المبادرة الناضجة تُشفي، وتُريح القلب، حتى وإن لم تتحقق، لأنها تمنح المرأة ثقةً بأنها فعلت ما تستطيع دون أن تخون نفسها.
وإن كان لها أن تُحب وتطلب الزواج، فلها أيضًا أن تطلب الرجوع بعد الطلاق إن رأت أن بيتها يستحق الفرصة، وأن الكسر يمكن جبره. لا يُسمى ذلك ضعفًا، ولا خضوعًا، بل قوة ووعي ونضج، فالشرع أباح المراجعة، ولم يجعلها ذلًا، بل سُنّة إصلاح. وكم من بيوتٍ عادت واستقامت، لأن أحد الطرفين امتلك شجاعة الكلام، لا شجاعة التخلّي.
الحقيقة أن المجتمع كثير الكلام، لكنه قليل الرحمة. سيقولون عنك جريئة إن بادرتِ، وضعيفة إن طلبتِ العودة، ومتأخرة إن صمتِّ، فلا تجعلي رأيهم مقياسًا لقراراتك. كوني مع الله، ومع قلبك الصادق، وافعلي ما يُرضي ضميرك، ما دمتِ تفعلينه بعفة، ووعي، وكرامة.
المبادرة لا تُعيب، والتعبير لا يُسقطك، والطلب لا يُنقصك. أنتِ إنسانة كاملة، لك عقل يختار، وقلب يشعر، وحقٌّ في أن تطلبي الحياة التي تستحقينها، لا أن تنتظريها صامتة. لا تنتظري من يصنع مصيرك، بل اصنعيه بنفسك، بثباتك، وشجاعتك، ونُضجك.
فصوت القلب لا يُخرَس، بل يُصغى إليه بعقلٍ ناضج وحياءٍ جميل، فإن أردتِ الحلال، فقولي. وإن أردتِ الرجوع، فاطلبي. ولا تخشي من الناس، فالله أرحم، وقلبك أصدق، والحق لا يُطلب همسًا.



