الاستاذ مصطفى عليش يكتب : العناية التي لا ترى

العناية التي لا تُرى…
بقلم : مصطفى عليش
في عالمٍ يمضي مسرعًا، تغشاه الضوضاء، وتختلط فيه الوجوه والنوايا، تبقى لفتة الاهتمام الصادقة من أندر وأثمن ما يمكن أن يمنحه الإنسان للإنسان. لا تُقاس بالمال، ولا تُشترى، لكنها تسكن في القلب، وتُهدى من روحٍ شعرت بروح.
قد تظن أن ما تفعله لا يُلاحظ، أو أن ما تقوله لا يسمعه أحد… لكن الحقيقة أن كل ما يصدر عنك، مهما بدا بسيطًا، قد يحمل أثرًا لا يُنسى في حياة شخص آخر. قد تكون كلمة تشجيع في لحظة انكسار، أو تعليق لطيف وسط ضجيج القسوة، أو حتى مجرد إشعار بأن أحدًا ما رآه واهتم… وهذه ليست أشياء صغيرة، بل هي أفعال عظيمة في عيون أولئك الذين يحتاجونها.
كثيرون يعيشون اليوم على هامش الحياة، مثقلين بما لا يظهر، يهربون من الواقع إلى العوالم الافتراضية بحثًا عن متنفس، عن دفء، عن شيء يشبه الطمأنينة… هناك، خلف الشاشات، يسكن وجع لا يُروى، وانكسارات لا تُحكى. ولأن الوصول إلى القلوب أصبح إلكترونيًا، بات للكلمات التي نكتبها وقع السهام أو بلسم الشفاء.
فما أسهل أن نجرح في هذا الفضاء، وما أصعب أن نضمد. ورب كلمة تهكم أو سخرية تلقي بها، تسقط على نفس متعبة فتكسرها، ورب عبارة محبة تُقال ببساطة، تُشعل النور في درب أحدهم وتمنحه سببًا ليكمل.
القسوة لا تليق بك، لا تليق بإنسان نفخ الله فيه من روحه، وخلقه في أحسن تقويم، وجعل له قلبًا قادرًا على أن يشعر ويتحنن ويواسي. لا تدع العالم يُقنعك أن التعاطف ضعف، أو أن اللطف لا مكان له. بل كن إنسانًا، كما أرادك الله: عطوفًا، مُنصتًا، ومؤمنًا بأن الكلمة الطيبة صدقة، وأنها قد تكون أحيانًا أثمن من أي عطاء آخر.
امنح من وقتك، من انتباهك، من كلماتك، ما قد يُعيد لغيرك إيمانه بالحياة. لا تنتظر علاقة، ولا معرفة، ولا مصلحة. فقط كن طيبًا. كن ذلك العابر الذي قال خيرًا، ومضى… لكنه ترك أثرًا لا يُنسى.
قد لا تعرف يومًا أنك أنقذت إنسانًا بكلمة، أو أعنت قلبًا بابتسامة، أو لامست روحًا بموقف صغير… ولكن ما يُبذل من القلب، يصل دومًا إلى القلب.


